مهنة الخياطة... من "عز المهنة" إلى تصليح الألبسة

مهنة الخياطة... من "عز المهنة" إلى تصليح الألبسة -- Aug 27 , 2025 21

لم تعد مهنة الخياطة رائجة كما في السابق. اليوم، بات الاتكال على "تصليح الألبسة" لا خياطتها. فقد سرقت الأزمة الاقتصادية المهنة من عزّها، فاقتصرت على خياط أو اثنين في كلّ منطقة، فيما تحوّل معظم الخيّاطين إلى "مُصلحي ألبسة".


بحسب كثيرين، لم تعد الخياطة مربحة، بعكس التصليح الذي بات يدرّ مالًا لا بأس به. وتفاوتت أجور تصليح الملابس، حتى بات البعض يُطلق على بعض "مُصلحي الألبسة" لقب "جوهرجي الألبسة"، نظرًا لأجور التصليح المرتفعة التي تُطلب مقابل تقصير أو تضييق بنطال أو فستان.

منذ بداية أزمة الدولار وانهيار العملة، نشطت مهنة تصليح الألبسة، وازداد الطلب عليها مؤخرًا مع تراجع القدرة الشرائية لدى معظم الناس، فبات التصليح سيّد المشهد.

تقول الخيّاطة آمال: "الأزمة غيّرت معادلة المهنة. لم يعد التصليح يقتصر على التقصير أو الترقيع فقط، بل شمل كلّ شيء تقريبًا".

وتضيف من خلف ماكينتها، وهي تصلح بنطالًا محاطًا بالخيطان والأكياس المكدّسة:

"لم يعد أمام الناس خيار سوى تصليح ملابسهم حتى الملابس الداخلية يتم تضييقها للكبار وتحويلها للصغار. نحن نتفاجأ أحيانًا، لكن واقع الناس صعب... الفقر ضرب بعمق، ولم يعد بمقدورهم شراء ملابس جديدة لأولادهم".

في زمن اقتصادي صعب يمرّ به لبنان، بات الفقر هو الغالب الأعمّ، ومعه زادت حركة عمل آمال بنسبة 70 % كما تقول، مضيفة: "الطلب على التصليح زاد بشكل كبير، والسبب بسيط... الحاجة الملحّة وعدم القدرة على شراء الجديد".


آمال تتخلى عن التفصيل: التصليح أكثر ربحًا وأقرب إلى الناس

تخلّت آمال عن مهنة الخياطة والتفصيل لأنها باتت "غير مربحة"، واعتمدت على التصليح كمصدر دخل، وتحاول أن تُبقي أسعارها أقل من غيرها، لتقف إلى جانب الناس كما تقول: "أتقاضى تعبي فقط، ولن أفعل كما يفعل البعض، جعلوا التصليح لمن استطاع إليه سبيلًا".

وصل سعر تقصير الفستان عند أحد مصلحي الملابس في النبطية إلى 5 دولارات، في حين لا يتجاوز سعره أساسًا هذا المبلغ، ما دفع بمحمد إلى وصف الخياط بـ "الجوهرجي". يقول: "شقيقتي أخذت فستانًا وعباية لتقصيرهما، فطلب الخياط 10 دولارات عن كل قطعة، وهو مبلغ مرتفع جدًا، بينما يتقاضى آخرون 100 أو 200 ألف ليرة فقط".

ارتفع عدد "مصلّحي الملابس" مؤخرًا في منطقة النبطية، وباتت مهنة من لا مهنة له، إلى جانب من يملكون خبرة قديمة في هذا المجال.

في مشغل يوسف، تتزاحم الملابس بانتظار التصليح، ويقول: "ما عم بلحق"، في إشارة إلى حجم الإقبال الكبير.

الخيّاط محمود، الذي يعمل أكثر من 12 ساعة يوميًا، يؤكد أنّ "ربة الأسرة باتت تصلّح كل شيء، لا ترمي شيئًا. فستانها يصبح لابنتها، وبنطال زوجها يتحوّل لابنها. نعيد خياطة كل شيء".


علي، الذي كان سابقًا من خيّاطي النبطية المعروفين، تحوّل تدريجيًا إلى العمل في التصليح فقط، ويقول بثقة: "الناس لم يعودوا يهتمون بالخياطة، فهي أغلى من ثمن القطعة نفسها في السوق، والتصليح اليوم أكثر ربحًا".

الخياطة تعود بقوة في زمن الضائقة... وأبو أحمد يشهد على "المرحلة الذهبية" للمهنة

لم يشهد الناس زمنًا صعبًا كما هو الحال اليوم. في السابق، كانت أي قطعة ملابس قديمة تُرمى دون تردّد، أما اليوم، فقد بات تجديد الملابس خيارًا ضروريًا، وإن لم يلتفت إليه كثيرون. الواقع المعيشي القاسي فرض هذا التغيير.

أعادت الأزمة الاقتصادية الروح إلى مهنة الخياطة، وفق ما يؤكّده الخياط أبو أحمد، الذي يرى أنّ المهنة تعيش "مرحلتها الذهبية" حاليًا. فالإقبال الكبير على تصليح الملابس رفع الطلب، وبالتالي الأسعار. فبينما كانت كلفة تقصير بنطال لا تتعدى الـ 50 ألف ليرة، أصبحت اليوم بين 200 و 250 ألفًا، بحسب نوع القطعة ونوعية العمل.

كان أبو أحمد يعمل في خياطة الفساتين والملابس الجديدة، لكنه تركها مؤخرًا، قائلًا: "الخياطة تسرق الوقت، فبدل أن أمضي يومًا كاملًا في خياطة فستان، أصلح أكثر من 30 قطعة، ويعود ذلك عليّ بمدخول أكبر".


ويضيف: "التصليح اليوم يدعم الفقير، تجد الأمهات يحضرن ملابس قديمة لتجديدها بدل شراء الجديد. البيجامات، الكنزات، المعاطف... لم تعد العائلات ترمي شيئًا، هذا أصبح من الماضي".

أبو أحمد يُخيّط ويرقّع ويجدّد، لكنه يختم بابتسامة لاذعة: "في بلدنا، نحتاج خيّاطًا سياسيًا ماهرًا، يُعيد خياطة الأزمات، لعلّها ترحم الفقير".

رمال جوني - نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

بالأرقام: هكذا سيستفيد لبنان من خطّة ترامب للجنوب

أقرأ أيضاَ

اقتصاد مموّل خليجياً مقابل أمن "إسرائيلي"؟